تجربة "DeepSeek" تطرح 4 تساؤلات مهمة على المؤسسات المصرية
![دمحمود منصور خبير](/themes/almizan/assets/images/no.jpg)
«المزيد من الاستثمار لا يؤدي بالضرورة إلى المزيد من الابتكار، وشركة OpenAI ليست إلهًا ولا يمكنها دائمًا أن تكون في المقدمة…»
هكذا استهل رجل الأعمال الصيني «ليانغ ون فنغ» (المؤسس المشارك لصندوق التحوط الكمي “هاي فلاير”، والرئيس التنفيذي لـ«DeepSeek») حديثه الصحفي مع مجلة «36Kr».
نجاح «DeepSeek» في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي منخفضة التكلفة أحدث صدمة في السوق العالمية، بعدما أثبت أن المنافسة في هذا المجال ليست حكرًا على الشركات الأمريكية العملاقة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه الشركات الناشئة في الحفاظ على تقدمها في سوق سريع التطور.
أطلقت «DeepSeek» نموذج «R1» مفتوح المصدر في يناير الماضي، بالتزامن مع مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وسط دعمه للحرب التجارية عالميًا. وأثبت نموذج «R1» منخفض التكلفة تفوقه في الأداء على نماذج أمريكية مثل «ChatGPT» التابع لشركة «أوبن أيه آي»، مما تسبب في محو حوالي تريليون دولار من أسهم شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية-الأوروبية.
خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس 2025) المنعقد في المدينة السويسرية الشهيرة، الذي ركز هذا العام على أهمية الابتكار في التكنولوجيات الحديثة، اتفق رواد صناعة تكنولوجيا المعلومات عالميًا على ضرورة تبني الولايات المتحدة وحلفائها نهجًا أكثر مرونة في صياغة الأطر التنظيمية وحوكمة الذكاء الاصطناعي، بما يشمل قوانين وإجراءات دولية للحد من المنافسة الشرسة مع العملاق الصيني، وضمان قدرة الولايات المتحدة على مواجهة هذا التحدي الجديد.
نجاح المارد الصيني «DeepSeek» يعتمد حتى الآن على الذكاء وليس القوة، خاصة أن نماذج الذكاء الاصطناعي تستهلك طاقة حوسبية هائلة (Computational Resources) عبر مراكز البيانات العملاقة التي يمتلكها الغرب تحت مياه المحيطات. وهذا يعكس حجم النجاح الذي حققه «ليانغ ون فنغ» (40 عامًا) رغم نشأته الفقيرة في ضاحية متواضعة بمقاطعة كوانج دونج الجنوبية، حيث وُلِد عام 1985.
كان والد «ليانغ ون فنغ» مدرسًا ابتدائيًا، لكنه اهتم بتنمية قدرات طفله منذ الصغر. كان «ليانغ» متفوقًا في دراسته، لدرجة أنه أتقن حساب التفاضل والتكامل بمفرده في المرحلة الإعدادية، ثم التحق بإحدى الجامعات الصينية المرموقة («تشياينج»). وهناك بدأ في تطوير خوارزميات لانتقاء أسهم البورصة بناءً على أنماط معينة، ما أدى لاحقًا إلى تطوير نماذج أعماله الخاصة.
في عام 2019، بادر «ليانغ ون فنغ» بشراء آلاف المعالجات الرسومية (GPUs) من شركة «NVIDIA» الأمريكية، والتي تُعد عنصرًا أساسيًا في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. لكن مع فرض الولايات المتحدة قيودًا على بيع هذه التقنيات للشركات الصينية، قامت «NVIDIA» بتعديل بعض المواصفات خصيصًا لتلبية احتياجات السوق الصيني. وقد كان لهذا القرار دور حاسم في تمكين «DeepSeek» من المنافسة عالميًا.
في عام 2023، أطلق «ليانغ ون فنغ» شركته في واحدة من كبرى المدن التي تحتضن الشركات الصينية العملاقة، مثل «Alibaba». واعتمد رجل الأعمال الشاب على توظيف كفاءات صينية حديثة التخرج، متواضعة الخبرة، بدلًا من الخبراء. وكانت هذه الفلسفة أحد العوامل الرئيسة لنمو الشركة، حيث وضعت المبرمجين في حالة مستمرة من البحث والابتكار، مستفيدة من العقول الذكية التي تمتلكها الصين.
هذه الملابسات تطرح علينا في مصر عدة تساؤلات:
1. لماذا لا نتبنى في مصر هذا النهج، خاصة مع وفرة الشباب حديثي التخرج من مختلف الكليات، والذين يتحدثون عدة لغات أجنبية؟ تمتلك مصر قدرات بشرية جبارة وعقولًا ثاقبة، لا ينقصها سوى التدريب والتعلم على هذه التقنيات. وقد لمست ذلك شخصيًا خلال إشرافي على أحد المشاريع التكنولوجية التي استهدفت شباب الصعيد، وكذلك خلال مشاركتي في إعداد أحد المشاريع القومية في سيناء.
2. هل نحن بحاجة إلى إطار قومي للجدارات المهنية في صناعة الذكاء الاصطناعي، يبدأ من مراحل التعليم الأساسي، بحيث تتم عملية انتقاء الكفاءات مبكرًا، وإعداد أجيال تنقل المعرفة بسرعة، لمواكبة هذه الصناعة التي يتغير معدل دوران المعرفة فيها خلال أسابيع؟
3. هل لا نزال بحاجة إلى المنح الدراسية من الولايات المتحدة وأوروبا، أم أن الوقت قد حان لتوجيه البوصلة شرقًا، والاستفادة من التجربة الصينية؟
4. ألم يحن الوقت لإصدار قانون مصري مكمّل لقانون حماية البيانات الشخصية، بحيث يتوافق مع القوانين الدولية ويمنح مصر ميزة تنافسية في صناعة البرمجيات، ما قد يفتح لنا مصدرًا جديدًا للعملات الأجنبية؟
أؤمن بشدة بأن مؤسساتنا وشعبنا قادرون على تحقيق الحلم التكنولوجي، بفضل القدرات الفنية والشخصية، والرؤية الاستراتيجية التي انطلقت منذ 30 يونيو 2013. ويبقى أن الدرس المستفاد يكمن بين السطور والكلمات.