عاجل
الثلاثاء 04 مارس 2025
رئيس التحرير
مواهب عبدالرحمن

أنا ومدرس الكمبيوتر الفرنسي ومنتخب “اليد”!

دمحمود منصور خبير
دمحمود منصور خبير تكنولوجيا المعلومات

عادت بي الذاكرة إلى مطلع الثمانينيات، حين كنت طالبًا في المرحلة الابتدائية بمدرسة ليسيه الحرية الفرنسية بمنطقة باب اللوق. لا أذكر تحديدًا أي عام كان ذلك، لكنني لا أنسى أبدًا بداياتي مع الكمبيوتر، حين أعلنت المدرسة عن فتح باب التقديم لدورة تدريبية لتعلم “الحاسب الآلي”.


 

في ذلك الوقت، كان الكمبيوتر حديث العالم كله، وحجمه أقرب إلى شاشة تلفزيون عادية، مع مشغل شرائط “كاسيت”، كما كنا نراه حينها. لم نكن نعرف أنه “فلوبي ديسك” أو “هارد ديسك”، ولم يكن “CD-ROM” قد اختُرع بعد.


 

ما زلت أستحضر وجه ذلك المدرس الفرنسي، الذي كان يساعدنا في التعرف على هذا “الجهاز السحري” وفق رؤيتنا، خاصة أننا كنا نسمع عنه دائمًا لكننا لم نره عن قرب إلا في تلك الدورة التدريبية.


 

في محاولاتي الأولى لدراسة علوم البرمجة، كان يشبّه لنا ما يحدث بأننا نتحكم في “سلحفاة” تتحرك وتستجيب للأوامر التي نكتبها، لترسم لنا أشكالًا هندسية متناسقة. ثم كنا نستخدم تلك الأوامر لتطوير الشكل نفسه، ليصبح أكثر تناسقًا وجمالًا بعد التظليل. لا تزال محفورة في ذاكرتي لحظات تحفيز المدرس الفرنسي لنا، وتشجيعه المستمر على التعلم من الأخطاء وتصحيحها لتحريك “السلحفاة” ورسم الأشكال بدقة.


 

تمامًا مثل تلك الغرفة الجميلة في الدور الأرضي، بجوار حجرة الموسيقى، التي احتضنت أولى خطواتنا في عالم التكنولوجيا.


 

من الكمبيوتر إلى كرة اليد.. أهمية الاكتشاف المبكر للمواهب


 

من تلك الذكرى البعيدة، إلى تسعينيات القرن الماضي، تحديدًا عام 1993، حين حقق منتخب مصر للشباب لكرة اليد إنجازًا غير مسبوق بفوزه بكأس العالم للشباب. كان هذا الإنجاز شاهدًا على أهمية توظيف العلم في اكتشاف وصقل المواهب الرياضية.


 

تجلّى هذا المفهوم في النهج الذي تبناه د. حسن مصطفى، رئيس الاتحاد المصري لكرة اليد آنذاك، والرئيس الحالي للاتحاد الدولي للعبة، بالتعاون مع المدير الفني الراحل جمال شمس. فقد اعتمدا على القياسات الأنثروبولوجية والمهارية لاختيار أفضل العناصر من اللاعبين، ثم صقل مهاراتهم في سن مبكرة، وهو ما أحدث تحولًا كبيرًا في كرة اليد المصرية.

 

انتقلنا من الفكر العشوائي إلى الفكر الاحترافي، وهو ما لم يؤدِّ فقط إلى الفوز ببطولة دولية، بل جعل كرة اليد ثاني أكثر الألعاب شعبية في مصر بعد كرة القدم، حيث أصبحت عناصر منتخب الشباب نواةً للمنتخب الأول، الذي واصل تحقيق الإنجازات العالمية، حتى أصبح ضمن العشرة الكبار عالميًا منذ ذلك الحين.


 

ما العلاقة بين الكمبيوتر وكرة اليد؟

 

نجاح تجربة تعليم الكمبيوتر في سن مبكرة، وتوظيف العلم في اختيار المواهب الرياضية، يعكسان أهمية الاستثمار في اكتشاف وتطوير المهارات في مختلف المجالات.

 

أعلم أن الدولة تخطو خطوات واسعة في مجال التكنولوجيا، عبر وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وأذرعها التنفيذية المختلفة، من خلال العديد من المبادرات التدريبية والتعليمية. لكن لا تزال هناك تساؤلات تدور في ذهني:

• هل نستطيع إيجاد “حسن مصطفى” جديد في مجال التكنولوجيا، داخل منظومة التعليم الأساسي، لاكتشاف أفضل المواهب التي ستقود مصر في عصر الثورة الرقمية؟

• هل نملك الجرأة على تحديث مناهج الـICT، بحيث لا يدرس الطلاب في عام 2025 نظام “Windows 7” والقوائم القديمة، بل يكون تدريسهم فرصةً لاكتشاف مهاراتهم الحقيقية؟

• في عصر الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة، هل لدينا إطار واضح للمهارات التي يحتاجها أطفالنا، بعيدًا عن التعقيد والحشو غير المفيد، ليكون حجر الأساس الذي ترتكز عليه الدولة في بناء المواهب الرقمية الناشئة؟

 

ما أقوله يتماشى مع الرؤية المستقبلية التي تسعى الدولة لتحقيقها، من خلال تحديث المناهج وطرق التقييم، بما يعزز الابتكار، ويدعم بيئة مرنة ومفتوحة للمواهب الشابة. إن الاستثمار المبكر في اكتشاف المهارات يمكن أن يغنينا عن تكلفة الفرصة البديلة التي قد تكلّف الدولة وشركاءها الكثير لاحقًا.

 

نحو مستقبل رقمي واعد

 

في أكثر من مناسبة، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أهمية الاهتمام بالأجيال الجديدة، وتجلّى ذلك في توجيهاته خلال افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية، وكذلك الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة، كجزء من رؤية مصر نحو المستقبل الرقمي.


 

ربما، إذا نجحنا في تطبيق نفس النهج العلمي الذي قاد منتخب شباب اليد إلى المجد العالمي، على منظومة التكنولوجيا والتعليم الرقمي، سنرى قريبًا منتخب مصر لتكنولوجيا المعلومات ينافس عالميًا، كما يفعل منتخب اليد اليوم!