ركود عقارى فى منتهى الـ«خليل كوميدى»
«تقل دم» الخليل كوميدى .. شعور لا يختلف عليه اثنان فى مصر .. ومن لا يعرف الخليل كوميدى عليه فقط أن يبحث على الفيس بوك وسيجده بسرعة كبيرة جدا.. وأتحداه أن يشاهد أكثر من مقطع فيديو واحد له، وسيقسم بعدها 30 يمين أنه لن يكرر هذه الخطيئة مرة أخرى، وهى ذات الخطيئة التى أقسمت أننى لن أكررها حينما فكرت أن أغير محل سكنى وأبيع شقتى القديمة وأبحث عن أخرى أوسع غرفة واحدة بعدما أصبحت أبًا لثلاث بنات اثنتين منهن بدأتا أولى خطوات التعليم، وفى حاجة لجزء من استقلالية الفتيات.
وبعيدًا عن سرد تفاصيل معاناة أمثالى من أصحاب الشقق الصغيرة نسبيًّا، سأروى مأساتى مع حالة الركود العقارى المزمنة «الثقيلة» التى واجهتنى أثناء تجربة عرض الشقة للبيع والبحث عن أخرى أكثر اتساعًا فى منطقة قريبة من محل سكنى.
باعتبارى من سكان مدينة 6 أكتوبر لمدة 10 سنوات، وارتباطى بها لأسباب كثيرة لعل أبرزها وجود مدارس بناتى، فحين فكرت فى البحث عن مكان جديد للسكن قررت أني لن أخرج عن منطقتى أكتوبر والشيخ زايد، وهو ما حدث بالفعل، ورحت أبحث عبر مواقع التواصل عن شقة لا تزيد قيمتها كثيرًا عن تلك التى أقطن بها، وكما يقول المثل.. «بيع غالى.. تشترى غالى»، وبما أن الأسعار الآن «عبيطة»!!، فقد حاولت تقدير قيمة شقتى القديمة من سماسرة المنطقة، وبناء على هذا التقدير المبدئى بدأت أبحث عن تلك الجديدة، لكن المشكلة التى واجهتنى كانت أكبر بكثير من فكرة البحث عن شقة، فالأزمة ليست فى أن المعروض من الوحداث المماثلة فى ذات المنطقة مماثلة، تزيد على قيمة ما قدره السماسرة لشقتى بأكثر من 30%, ولا أدرى لم هذه الفروقات... ، لكن اتضح لى أن التقديرات التى يحددها كل مالك لوحدته جزافية بلا ضوابط تراعي ما يواجهه القطاع من ركود مزمن..!!
الأزمة الحقيقية التي احبطتني وعززت خيبة أملي هى أننى فشلت فى بيع شقتى ، كما فشل ذلك المشترى الذى كنت أنتوى أن أشترى منه شقته..نعم فعليًّا فشل كلانا فى تسييل العقار ، شخصيا شعرت بالفشل الحقيقي بعد أن مر شهرين كاملين على إعلاني عن بيع شقتي في كل المواقع المخصصة لهذا الغرض، فضلا عن توصيتي لـ «طوب الأرض» من سماسرة المنطقة والمناطق المحيطة.. أقسم بالله لم يصلنى سوى مكالمة واحدة من شخص طلب منى زيارة لرؤية الشقة ولم يأت!
يا لهذا الركود العقارى «السخيف».. والله هو أسوأ من سخيف..فعليا قد ينطبق عليه ذلك الوصف الذي ينعت به بعض الناس «الخليل كوميدى»، لكنه للأسف وصف قبيح ولا محل له هنا!
يا سادة ..ما نواجهه الآن من ركود عقارى أدى إلى ركود مماثل فى القطاعات المتعلقة بالنشاط العقارى، كمبيعات مواد البناء، والعمالة المرتبطة بالقطاع، كأعمال التشطيبات والتجهيزات.. ولعل ذلك قد ظهر ذلك جليًّا على دخول العاملين المالية بهذا القطاع ، حتى أن بعضهم ترك العمل بالقطاع واضطر للسفر أو تغيير النشاط!
الكتل الخرسانية المظلمة التى أغلقت منافذ الهواء وشعاع الشمس فى تلك المدن الجديدة التى كانت قبل 10سنوات عنوانًا للهدوء والنظام، معظمها تشكل أصولًا لأشخاص قرروا الاستثمار أو على أقل تقدير الاحتفاظ بقيمة أموالهم بعيدًا عن تآكل قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية والأصول الأخرى..ومع تهاوي قيمة الجنيه بدأنا نرى إقبالًا شرائيًّا عنيفًا من مستهلكين -غير حقيقيين- للأصول العقارية.. حتى أنك قد تسير لمدة ساعة كاملة فى بعض أحياء المدن الجديدة ولن تقابل سوى وحدات قليلة مضيئة..والبقية مظلمة كظلمة الجدران التى تحويها!
يقينًا عندما يبدأ الجنيه فى استعادة قوته أمام العملات الأخرى..ستنتهى مرحلة الاقتناء بغرض «حفظ القيمة»..وستبدأ موجة من التسييل العنيف ستعصف بأسعار العقارات عصفًا..إلى ذلك الحين..سيبقى الركود العقارى الحالى أكثر «رزالة» من «الخليل كوميدى»!