مذبحة المستثمرين السياحيين
في الوقت الذي ترفع فيه الدولة المصرية شعار"تشجيع الاستثمارات" ومحاولة الحث على جذب وتشجيع استثمارات جديدة، وفي ظل أزمة طاحنة يعاني منها القطاع السياحي منذ ثورة يناير2011، وتفاقم تلك الأزمة بعد حادث الطائرة الروسية فى 2015، تُفاجئنا بعض الأجهزة الحكومية بضرب كل ما سبق عرض الحائط وتقرر التعنت مع المستثمرين وعلى الأخص (الجادين منهم)، الذين خاطروا بكل نفيس وغالي بأموالهم وجهدهم من أجل تعمير أجزاء من أرض الوطن، بل ووفروا العديد من فرص عمل للشباب، وتحدوا جميع الظروف الصعبة التي واجهتهم، بما فيها بيروقراطية الأجهزة الحكومية وصعوبة الظروف التي أنشأوا فيها مشروعاتهم.
وكان من المفترض أن نجد تلك الأجهزة الحكومية تشجع هذا القطاع من المستثمرين الجادين ليشدوا من أزره، وعلى الأخص بعد مجموعة النكبات التي منى بها، ولكن على النقيض من ذلك نجد القطاع الحكومي يعاقب هؤلاء المستثمرين، وكأنة ينتهز الفرصة في هذا التوقيت الحالك، ليطبق رسوما جديدة، بل ويرفع نسب رسوم أخرى تصل في بعض الأحيان إلى عشرة أضعاف الرسوم السابقة، وكأنهم يضربون بمطرقة حديدية على رؤوس هؤلاء المستثمرين الذين يعانون من سلسلة متلاحقة من الأزمات أتت على الأخضر واليابس، ولسان حال المستثمرين يقول: هل هذا جزاء الاستثمارات التى تم الدفع بها؟
و هنا أطرح بعض التساؤلات الهامة:
لماذا لم يتم تطبيق هذة الرسوم وقت انتعاش القطاع السياحى؟
وهل هذا هو التوقيت المناسب لفرض رسوم جديدة و زيادة رسوم أخرى؟
لمصلحة من يتم تطبيق هذه الزيادات فى هذا التوقيت؟
وهل نحن بذلك نشجع على جذب استثمارات جديدة؟
وهل سيخاطر ويغامر المستثمرون الجدد بعد صدور هذه القرارات و تأثيرها على المستثمرين الحاليين؟
وهل نحن بذلك ننفذ سياسة الدولة ورئيسها الذي يشجع في كل خطاب على جذب استثمارات جديدة؟
وعلى صعيد آخر، نجد مجموعة كبيرة من المستثمرين الذين تعاقدوا مع هيئة التنمية السياحية، بسعر المتر 25$ آنذاك، و قد كان سعر صرف الدولار حينها 7.03 جنيهات مصرية، و كما هو معروف عن قوانين هيئة التنمية السياحية، فبعد تخصيص الأرض واستلامها، يقوم المستثمر بدفع 20% من القيمة الإجمالية، يضاف إليها 7% مصاريف إدارية و يتم تسديد كل تلك المبالغ بالدولار، و تمنح الهيئة فترة سماح لمدة 3 سنوات يقوم فيها المستثمر بتسديد الفوائد على الجزء المتبقي وهو 80% من السعر، ثم يتم توزيع باقي المبلغ على 7 أقساط لمدة 7 سنوات، تسدد فيها الأقساط و الفوائد.
فكيف تطالب هيئة التنمية السياحية هؤلاء المستثمرين حالياً بتسديد المتبقي من المبالغ المستحقة بالسعر الحالي للدولار بعد تعويم الجنيه المصري؟ و هو أكثر من الضعف.
لقد قام هؤلاء المستثمرون بعمل دراسات الجدوى الخاصة بمشاريعهم على أساس سعر صرف الدولار القديم و هو 7.03 وأنفقوا الكثير من الجهد و المال على التسويق الخارجى لمشاريعهم، إيماناً منهم بدورهم الوطني في دفع عجلة الاقتصاد القومي. وفوجىء الجميع بالأحداث الغير متوقعة والمؤسفة التي مني بها القطاع السياحي في السنوات الأخيرة، وتبدلت الخطط التسويقية الخارجية بأخرى يتم تطبيقها على السوق المحلي و الذي يسدد بالعملة المحلية، ناهينا عن أنه يعمل بشكل موسمي، أي غير منتظم.
فكيف تطالب الهيئة هؤلاء المستثمرين بالتسديد بالسعر الحالي، علما بأن هؤلاء المستثمرين الجادين قد أقاموا مشاريعهم بالفعل، و قاموا باستخراج التراخيص اللازمة لذلك، وشيدوا المباني التي تخدم مشاريعهم، وقاموا بتعيين عمالة مصرية، وأنفقوا الكثير من الجهد و المال لإنجاح هذه المشاريع.
إن مطالبة هؤلاء المستثمرين الجادين بتسديد القيمة المتبقية بالسعر الحالي للدولار، تعطى انطباعاً بعدم وجود مناخ آمن للإستثمار في مصر، و هذا من وجهة نظري عكس ما نحتاج إلية في الوقت الحالي.
وأصبح هؤلاء المستثمرون الجادون مهددون بسحب تلك الأراضي منهم، إذا رفضوا مطالب هيئة التنمية السياحية، بعد أن أنفقوا حصاد عمرهم وأفنوا زهرة شبابهم في إنشاء تلك المشاريع، وبعد تكلفة فعلية تقدر بالملايين، ناهينا عن تداعيات ذلك على العمالة المصرية في تلك المشاريع وتشريدها بعد سحب تلك الأراضي.
والغريب في الأمر، أن هيئة التنمية السياحية، تعرض حالياً قطع أراضي جديدة للمستثمرين الجدد، تسدد قيمتها بالعملة المحلية، فهل تكيل الهيئة بمكيالين؟
كيف نفرق بين المستثمرين القدامى وعلى الأخص (الجادين منهم) والمستثمرين الجدد؟
نحن بصدد قضية شديدة الخطورة، وسيكون لها تداعيات على مستقبل الاستثمار السياحي فى مصر، وعلى هيئة التنمية السياحية، وعلى رئاسة مجلس الوزراء، الاهتمام بوضع حلول منطقية لهذه القضية الهامة، نضمن بها سمعة طيبة لمستقبل الاستثمار السياحي في مصر الحبيبة.