عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس التحرير
مواهب عبدالرحمن

موقعة «المايوه الشرعي» مع السياحة

الميزان

أكاد لا أصدق ما يحدث، فأنا حزين بشدة لما آلت إليه حالة قطاع عريق بحجم القطاع السياحي في مصر.. فهناك حالة من التخبط أثارها منشور عمومى لجميع الفنادق، صادر من الغرفة الرئيسية بالقاهرة بتاريخ 1-8-2017، يسمح بارتداء «المايوه الشرعي» في الفنادق بشرط أن يطابق خامة «المايوه العادي»، بناء على عدة شكاوى من نزلاء مصريين، تفيد بأن بعض إدارات الفنادق تتعنت وتمنع نزول السيدات المصريات بـ«المايوه الشرعي»، تلاه منشور آخر من الغرفة بتاريخ 2-8-2017، يفيد بإلغاء ما جاء بالمنشور الأول ووقف العمل بما جاء به لحين عرضه على اللجنة القائمة بأعمال مجلس إدارة الغرفة لدراسته دراسة جيدة.


من جانبه، نفى سامح الجرف إصدار هذا المنشور والتوقيع عليه، وطالب بعمل تحقيق رسمي للتعرف على من قام بتزوير توقيعه وإرسال هذا المنشور وتعميمه على الفنادق.


إن ما حدث، وإن دل، فهو يدل على المستوى الذي آل إليه قطاع، كان فيما مضى قاطرة للاقتصاد القومي المصري، وكان يضرب به المثل، سواء فى أسلوب تشغيله أو بالنسبة للعاملين به.


وأنا هنا أتوجه باللوم على القائمين والمسئولين عن القطاع السياحي العريق في مصر، فغرفة الفنادق مع احترامي لدورها الذي تقوم به، فهي في النهاية ليست صاحبة القرار، بل هي جهة من جهات عديدة تطبق سياسات وزارة السياحة وتوجيهاتها. 


ولذا أود أن أوضح للسادة المسئولين والقائمين على هذا القطاع بأن القطاع السياحي والعاملين به، يمرون بفترة من أحلك فترات حياتهم، ويواجهون أزمة طاحنة لم يعانوا مثلها من قبل، بل أستطيع أن أقر بأن الأزمة الحالية هى الأكثر ضراوة منذ نشأة القطاع السياحي في مصر وحتى الآن.


فلو تذكرنا أزمة مذبحة الأقصر 97، والصدى السلبي الذي منيت به السياحة المصرية آنذاك، ونتذكر كذلك أن تلك الأزمة لم تستمر سوى لفترة قصيرة، عادت بعدها معدلات الرواج السياحي إلى ما كانت عليه بل وأفضل مما كانت عليه أيضا. 


أما هذه الأزمة، والتى بدأت منذ ثورة يناير، فهي مستمرة حتى الآن، حيث أتت على الأخضر واليابس ولم تلبث السياحة وانتعشت إلا ومنيت بحادث الطائرة الروسية وما تبعها من تداعيات سلبية، تسببت في تشريد أعداد غفيرة من العمالة، كما نتج عن الأزمة الحالية تحول القطاع السياحي من قطاع جاذب للعمالة، إلى قطاع طارد للعمالة، ناهينا عن الأزمات التي تبعت ذلك سواء على المستوى المباشر للقطاع السياحي أو على الصناعات القائمة عليه، وكبدت الخسائر الدولة والمستثمرين والأفراد مليارات الدولارات.


هذه هي الحقيقة التي أود أن يعيها الجميع جيدًا، والتي نلمس نتائجها السلبية يومًا بعد يوم.. ولذا فالقطاع السياحي وجميع العاملين به، في غنى عن أي تخبط في القرارت أو السياسات. 


إن ما أثير من جدل حول موضوع المايوه الشرعي قد احتل مساحة شاسعة، تضاربت فيها الآراء بين العاملين في القطاع والقائمين على إدارته، بل وبين العديد من النزلاء من جهة أخرى.


دعونا نبحث القضية من وجهة نظر مهنية بحتة، واضعين في الاعتبار أن السائح الأجنبي لديه قناعة تامة بمفهوم الحرية، والذي يعطي للكل الحرية الكافية في تصرفاته وسلوكياته، ما لم تضر هذه الحرية بمن يحيطون به.. وبالتالي فهو لن ينظر للقضية إلا من وجهة النظر الصحية، ومدى إمكانية انتقال الأمراض من خلال حمامات السباحة.


ودعونا كذلك نطرح سؤالاً آخر حول آلية تنفيذ تطبيق هذا القرار؟ وما هي ضمانات عدم الدخول في مشاحنات ومجادلات بين بعض النزلاء من جهة وبين إدارات الفنادق من جهة أخرى؟ وخاصة حول الالتزام بالخامات المقررة والمسموحة للمايوه الشرعي والتي من شأنها أن تحد من انتشار بعض الأمراض المعدية عن طريق حمامات السباحة.. فهل ستخصص وزارة السياحة موظفين مختصين بتطبيق هذه التعليمات؟ أم ستكتفي بنشر هذه التعليمات على لوحة التعليمات بحمامات السباحة في الفنادق؟ ومن ناحية أخرى، هل ستطبق جميع الفنادق هذه التعليمات بحذافيرها؟ علما بأن الكثير من الفنادق معظم -إن لم يكن جميع- نزلائها من المصريين، خاصة فى هذا التوقيت بالذات. 


لا أنكر أهمية القضية المثارة، ولكن من وجهة نظري، يوجد أولويات للعديد من المشكلات التي يعاني منها القطاع والتي قد تقضي على القطاع السياحي وتساعد على إنهياره، كان من الأولى أن يتبناها المسئولون عن القطاع والقائمين عليه، خاصة في ظل الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها الدولة والتي تحتاج إلى رجوع القطاع السياحي لسابق عهدة للمساهمة في ضخ العملات الأجنبية لخزينة الدولة.


- كنت أتوقع أن يهتم المسئولون والقائمون على القطاع بشن حملات تفتيشية على الفنادق، ليروا مدى تدني مستوى الخدمات وعدم مهنية بعض العاملين والتي تصل في بعض الأحيان إلى الإشتباك بالأيدي بين العاملين والنزلاء على مرأى ومسمع من إدارة الفندق.

- كنت أتوقع أن يتم توجيه إدارات الفنادق لعمل Orientation لمجموعات النزلاء المصريين أسوة بما يحدث للمجموعات الأجنبية، يتم فيها شرح قوانين المنشأة وأسباب تطبيقها وسياسات الفندق المختلفة مثل قواعد الصحة العامة Hygiene ونظام البوفيهات ولوائح مناطق حمامات السباحة والألعاب المائية وكذلك حقوق النزيل وواجباته.


- كنت أتوقع عمل حملات مشتركة مع مكاتب الصحة بالوزارة للكشف على مطابخ الفنادق والوقوف على مدى الانحدار التى وصلت إليه، ناهيك عن سوء الخامات المستخدمة وبالطبع عدم تطبيق أدنى قواعد صحة وسلامة الغذاء، مما يسهم وبشدة في وجود حالات متعددة من التسمم الغذائي للنزلاء وللعاملين أيضًا.

- كنت أتوقع أن يتم تكويت لجان لمعاينة غرف الفنادق ومعرفة الحالة المتردية التي وصلت إليها بمعظم الفنادق، حتى الخمس نجوم منها.

- كنت أتوقع أن تبدأ حملة فى بداية موسم الصيف، لتهيئة العمالة وتدريبها على التعامل مع النزلاء المصريين، ودراسة سيكولوجية النزيل المصري، والاستعداد لموسم يعلم الجميع مسبقًا بأنة سيكون للجنسية المصرية الأغلبية فيه.

- كنت أتوقع التدخل لعمل وتطبيق سياسة تسعيرية جديدة عادلة للفنادق، تمكنهم من رفع مرتبات العمالة وتحسين مستوى الخدمات من جهة، وتحمي الفنادق الصغيرة ذات النجمتين والثلاثة والتي أشرفت على الانقراض من جهة أخرى بسبب عدم مقدرتها على منافسة الفنادق الأعلى في التصنيف.- كنت أتوقع التنسيق بين الوزارة ومكاتب العمل للتشديد والمراقبة عن كثب لأحوال العمالة المتردية سواء من ناحية الأجور من جهة، أو من ناحية الإقامة والتغذية والمعاملة الغير آدمية من جهة أخرى.. ناهيك عن عدد ساعات العمل والتي قد تصل في بعض المنشئآت إلى 16 ساعة، مما أدى في النهاية إلى هجرة معظم العمالة الماهرة للقطاع، وعزوف معظم الشباب والخريجين عن العمل بالقطاع، مما جعل القطاع يستجدي نوع جديد من العمالة الغير مؤهلة والتي لا تخضع حتى لأبسط أنواع التدريب قبل الإلتحاق بالعمل أو أثنائه.

- كنت أتوقع تطبيق نظام الـ Mystery Guest وعمل زيارات مفاجئة للفنادق للوقوف على الحالة المتردية التي وصلت إليها.

- كنت أتوقع أن يقوم المسئولون بعمل حملة توعية عامة للشعب المصري (وأقترح كما سبق وأن طالبت عدة مرات بأن تعمم على طلبة المدارس) بأهمية السياحة والدور الذى تلعبة في تحسين الإقتصاد القومي ومساهمة القطاع السياحي في خلق العديد من الوظائف المباشرة والغير مباشرة.أخيراً.. لو أردنا عودة السياحة لسابق عهدها، فيجب علينا أن نبدأ بإعادة ترميم المنزل من الداخل أولًا.