السندات الصفرية
بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين فى مصر، أسدل الستار تمامًا عن الصكوك الإسلامية التى كان كل من هب ودب يتحدث عنها فى الإعلام، وصور لنا حملة المباخر من رجال الإعلام والاقتصاد الموالين للإخوان أنها المورد الذى سيحقق لنا المال الوفير من العدم!!
وتزامن ذلك مع شن حملة كبيرة فى الصحافة الاقتصادية للترويج لإصدار السندات الصفرية وصوروا لنا أنها الملاذ الأخير الذى سيحد من كل من عجز الموازنة وتفاقم الدين العام معاً، وذلك على غرار حملة الترويج للصكوك (المرادف أو المسمى الإسلامى للسندات)، إنه نفس الأسلوب ولكن المضمون مختلف.
والسندات الصفرية هى مجرد سندات وديون على الحكومة، ولكن الفرق بينها وبين السندات الأخرى غير الصفرية يكمن فى دورية صرف أو سداد العائد أو الفائدة أو الكربون، فالسندات الصفرية لا تدر عائداً دورياً لحاملها، حيث يصرف العائد مجمعاً ودفعة واحدة فى تاريخ أو فى أجل استحقاق السند، ويترتب على ذلك أن السند يتم طرحه فى السوق بالقيمة الحالية وتتحقق القيمة الاسمية أو الاستردادية للسند فى تاريخ الاستحقاق (متضمنة أصل قيمة السند عند الاكتتاب فيه مضافاً إليها الفائدة التراكمية المستحقة عليه).
ويعنى ذلك بكل بساطة أن السندات الصفرية هى سندات بدون كوبون دورى ويدفع العائد عليها مرة واحدة أو دفعة واحدة مع أصل السند فى تاريخ الاستحقاق.
ويترتب على ذلك أن الحكومة مصدرة السندات الصفرية لا تدفع أى فوائد على السندات خلال فترة سريانها، حيث تؤجل سداد الفوائد فى تاريخ استحقاق السند، فإذا كانت مدة استحقاق السند ثلاث سنوات فإن فائدة السند المستحقة على الثلاث سنوات يتم سدادها مع أصل السند فى نهاية الثلاث سنوات، ويعنى ذلك بكل بساطة أن الحكومة المصدرة للسندات تؤجل سداد الفوائد على ديونها لعدة سنوات قادمة بدلاً من السداد الدورى والفورى السنوى للفوائد، وبذلك تخفف الضغط مؤقتاً على الموازنة العامة بقيمة فوائد هذه السندات ليس إلا.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه ألا وهو، هل ستكون الدولة قادرة على الوفاء بقيمة السندات الصفرية وعوائدها بعد عدة سنوات قادمة فى آجال استحقاقها؟
يتوقف ذلك بالطبع على مدى تحسن الأداء المالى والاقتصادى للدولة وللاقتصاد، ولكن إذا استمر الأداء على نفس المنوال الحالى ستكون مالية الدولة أمام كارثة كبرى بكل المقاييس المالية والاقتصادية.
وبصفة عامة تناسب السندات الصفرية تمويل المشروعات التى يتحقق عائدها بعد عدة سنوات، بالإضافة إلى تحقيق تدفقات نقدية كبيرة تسمح بسداد أصل قيمة السند وعوائده فى تاريخ مستقبلى قادم، ولكن لا تناسب السندات الصفرية كأسلوب تمويلى تمويل مصروفات الدولة على الشيوع، فتمويل الاستهلاك بديون وبفوائد مرتفعة كارثة كبرى ستدفع ثمنها الأجيال الحالية والقادمة معاً.
وتناسب السندات الصفرية تمويل المشروعات الكبرى، لأن هذه المشروعات تتحقق عوائدها بعد مضى فترة تفريخ gestation period طويلة، وفترة التفريخ هذه عبارة عن الفترة الزمنية التى يحقق المشروع عوائده فى نهايتها، وتحتسب هذه الفترة بدءاً من تاريخ تنفيذ وإقامة المشروع وتنتهى بتاريخ الانتهاء من تنفيذ المشروع بالكامل وبدء الإنتاج وتوليد الإيرادات، لذلك فإن تمويل المشروع باّلية السندات الصفرية يكون ملائماً جداً لفترة التفريخ التى لا يدر المشروع خلالها أية إيرادات.
إذن السندات ما هى إلا ديون بصرف النظر عن دورية سداد العائد أو الفوائد، فإذا كان العائد دوريًا فإن كل سنة مالية تتحمل بالعبء الخاص بها متمثلة فى الفوائد المستحقة عليها دورياّ، أما إذا كان العائد صفريًا فإن سنة استحقاق أو سداد السند تتحمل وحدها بأعباء السند، ولكن أصل السند يزيد من عبء الدين العام سواء كان صفريًا أو غير ذلك زمنيًا عبر السنوات المالية المختلفة التى سترد السندات فيها، أى عند الوفاء بقيمتها فى تاريخ الاستحقاق.
وأخيرًا لسنا ضد السندات الصفرية، بل ننادى باستخدامها فى تمويل مشروعات طويلة الأجل قادرة على الوفاء بكل من قيمتها وفوائدها بتوليد تدفقات نقدية كافية تسمح بالسداد، وضد استخدامها لمجرد ترحيل السداد والأعباء لسنوات قادمة، أى ضد الاستخدام التكتيكى للسندات الصفرية بترحيل أعبائها لسنوات قادمة.
ونقول لمن بيدهم الأمر إن كل الحكومات الغارمة قد بدأت فى إجراءات تقشفية صارمة، إلا أننا مازلنا لم نعرف طريق التقشف بعد، فمازالنا ننفق ببذخ هنا وهناك، وننعم بنعيم المساعدات والتسول الدولى الذى لن يدوم إلى الأبد، وليتنا ندرك ذلك قبل أن تجف منابع التسول الدولى دون سابق إنذار.