الشمول المالى والقروض العرفية
على هامش أسبوع الشمول المالى العربى، الذى انطلقت فعالياته مؤخراً بقيام البنوك بفتح حسابات مصرفية –معظمها بلا أرصدة- للمواطنين من غير المتعاملين مع البنوك، بطبيعة الحال لن يتحقق الشمول المالى فى أسبوع، لأن تحقيقه يتوقف على عدة عوامل، أهمها:
1- مستوى الدخول الفردية.
2- مؤشر الكثافة المصرفية.
3- درجة الوعى ومستوى الثقافة.
4- مدى سهولة الإجراءات المصرفية.
وفى هذا السياق تفرض قضية القروض العرفية نفسها بشدة، فعلى غرار عقود الزواج العرفى الذى بات منتشرًا عن ذى قبل، بدأت الأسواق تعرف القروض العرفية، وهى قروض لا تمنحها البنوك بل يمنحها أشخاص لأشخاص آخرين، ولا يتم إبرام عقود بين المقرض والمقترض، لأنها تمثل عقوداً غير مشروعة، بل يوقع المدين على شيكات أو إيصالات أمانة، غالبًا ما تكون على بياض لصالح الدائن أو المقرض، ولكن فى بعض الحالات يحصل الدائن المقرض من المدين المقترض على منقول ذي قيمة مادية، يقوم الدائن برهنه حيازيًا لديه حتى حلول أجل السداد، فإذا قام المقترض بالسداد يتم رد المنقول إليه، وإذا لم يقم بالسداد يقوم الدائن المقرض ببيع المنقول والحصول على قيمته بالكامل مقابل دينه فى ذمة المدين، أى أنها عودة لنشاط بيوت الرهونات، ويتقاضى المقرض من المقترض فائدة ربوية كبيرة.
ويتخذ هذا النوع من القروض عدة صور منها ظهور فئة المرابين التي تتعامل بالربا وذلك فى الأحياء العشوائية والفقيرة جدًا، ومنها قيام بعض تجار الذهب الصغار بالتسليف مقابل رهن المشغولات الذهبية.
وبرغم أن هذه القروض لم تصل لمستوى الظاهرة، إلا أنها قد بدأت تظهر فى المجتمع، وتوجد بيئة مواتية لنموها وزيادة حجمها مستقبلًا، وبطبيعة الحال لم تفلح الإجراءات البوليسية فى القضاء عليها، أو فى الحد منها لأنها تتم فى الخفاء وبدون أى مستندات رسمية، كما أنها تشكل عملية مالية أفرزتها الظروف الاجتماعية والمعيشية الملحة والصعبة، لذلك فمن الطبيعى أن يتم التعامل معها بأدوات مالية وليس بأدوات بوليسية.
فالبنسبة لبعض صغار تجار الذهب الذين يمنحون قروضًا بضمان الرهن الحيازى للمشغولات الذهبية للمدين، ومقابل تقاضى فائدة بواقع 15% إلى 20% لمدة ثلاثة أشهر، نجد أن بعض هؤلاء التجار يعانى من الركود لارتفاع أسعار الذهب، فيقدم على هذا النوع من المعاملات، أما بالنسبة للمدين المقترض الراهن لمشغولاته الذهبية، فيجد فى ذلك النوع من القروض -رغم ارتفاع تكلفته- ضالته المنشودة؛ لأنه قرض سريع جدًا يتم الحصول عليه فى عدة دقائق، وبالتالى يتجنب إجراءات البنوك المعقدة -من وجهة نظره- والتى تتطلب تقديم مستندات وتوفير ضامن والتردد على البنك عدة مرات وسداد رسوم إدارية، ويستغرق هذا الموضوع عدة أسابيع، لذلك فإن رهن سلسلة أو حلق أو غويشة لا يتطلب إلا صورة البطاقة الشخصية والتوقيع على إيصال أمانة أو شيك، وهكذا ينتهى الأمر.
أما بالنسبة لظهور فئة صغار المرابين، فإنها تعمل بنفس الأسلوب، ولكن مع فارق وحيد هو أن المدين لا يقدم أية منقولات ضمانًا للقرض، مجرد التوقيع على شيك أو إيصال أمانة يفى بالغرض، إذن فالسرعة هى العامل الحاسم والذى يميز هذه القروض العرفية غير المشروعة عن القروض الشخصية المصرفية المشروعة.
ويلجأ البعض إلى هذه القروض لمواجهة متطلبات الحياة المتزايدة والتى تزداد تعقيدًا، وموسم هذه القروض ينشط قبل الأعياد وقبل بدء العام الدراسي، وتقدم هذه القروض بمبالغ بسيطة لا تتعدى خمسة آلاف جنيه.
ولا شك أن فى هذه القروض يستغل الدائن فيها المدين بصورة بشعة حيث يفرض عليه فوائد كبيرة قد تصل 50%، ويضطر المدين تحت وطأة العوز والحاجة إلى القبول للخروج من ضائقته المالية وقضاء حاجاته المالية الملحة والتى لا تحتمل التأجيل.
ويضطر بعض المعوزين إلى اللجوء إلى معارض السلع المعمرة، وأطالب بمنعها منعًا باتًا حيث يستغل التجار البسطاء من الناس ويبيعون لهم سلعاً معمرة بضعف أسعارها فى السوق، ثم يقوم أحد السماسرة التابعين للتاجر بإعادة شرائها من المشترى البسيط المحتاج للمال بثمن بخمس، ويقوم بعد ذلك بسداد قيمتها وفوائدها فيصل ثمنها النهائى إلى ثلاثة أضعاف ثمنها النقدى، فأى استغلال هذا، فالربا قد يكون أخف وطأة مما يحدث فى معارض السلع المعمرة.
وأخيرًا، فعلى الجهاز المصرفى مسئولية كبيرة فى أن يصل إلى هؤلاء الناس بآليات سريعة ومبسطة لحمايتهم من الاستغلال ومن الربا، ولنا فى تجربة بنك جرامين فى بنجلاديش خير مثال فى كيفية تلبية حاجات الفقراء بآليات مبسطة وعرفية تحميهم من المرابين وتساعدهم على التوسع فى أعمالهم، لذلك حصل هذا البنك ومؤسسه د. محمد يونس على جائزة نوبل، حيث حول الفقراء إلى أصحاب أعمال صغيرة جدًا.