هل تخفض الصين حيازتها من الدين الأمريكي ببيع سندات الخزانة الأمريكية؟
ارتفعت العائدات على سندات الخزانة الأمريكية في جلسة التعامل القصيرة آخر أيام الأسبوع الجمعة الماضي بعد عطلة عيد الشكر التي شهدت إغلاق الأسواق الأمريكية، وارتفع العائد على السندات المتوسطة الأجل لمدة 10 سنوات إلى نسبة 4.47% بينما ارتفع العائد على سندات الخزانة قصيرة الأجل لمدة عامين إلى نسبة 4.95%، ومعروف أن نسبة العائد على السندات تتناسب عكسياً مع سعرها.
بكين ثاني أكبر دائن لواشنطن
كانت سندات الخزانة الأمريكية شهدت عمليات بيع هائلة أخيراً، أدت إلى هبوط أسعارها وارتفاع نسبة العائد عليها، ومع أن تحركات سوق السندات غالباً ما ترتبط بعوامل تتعلق بسعر الفائدة الأساس ومجمل السياسة النقدية والوضع الاقتصادي، إلا أن أرقاماً نشرتها وزارة الخزانة مطلع هذا الشهر أظهرت خفض حيازة الصين من سندات الخزانة الأمريكية ، فحسب أرقام الدين الأمريكي المتمثل في سندات الخزانة السيادية، انخفضت سندات الخزانة الأمريكية لدى الصين بنسبة 40% عما كانت عليه قبل 10 أعوام.
دفع ذلك بعض المحللين إلى استنتاج أن الصين تتخلص من سندات الخزانة الأمريكية في عمليات بيع كبيرة لما بحوزتها وهو ما يدفع أسعار السندات إلى الهبوط وارتفاع نسبة العائد عليها، وذلك على رغم أن محللين آخرين اعتبروا أن هدف عمليات البيع الصينية لسندات الخزانة الأمريكية هو دعم اليوان الصيني الذي يشهد تراجعاً في سعر صرفه أمام الدولار وأن بكين تستخدم تسييل السندات لدعم عملتها.
أرقام متباينة
مع ذلك تظل الصين ثاني أكبر دائن للولايات المتحدة بما بحوزتها من سندات الخزانة الأمريكية ، بعد اليابان التي تملك سندات خزانة بقيمة تزيد على تريليون دولار، بينما انخفضت حيازة الصين إلى نحو 821 مليار دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2009.
هذا الأسبوع كتب المسئول السابق في وزارة الخزانة الأمريكي براد سيستر مقالاً أشار فيه إلى أن الصين ليست وراء الاضطراب في سوق السندات ببيع مكثف لسندات الخزانة الأمريكية ، وأن بكين إنما تقوم بإعادة هيكلة حيازتها من أدوات الدين الأميركي.
وجاءت تصريحات مسئول الخزانة السابقة مع تزايد الحديث عن أن الصين تتخلص عمداً من سندات الخزانة الأمريكية التي بحوزتها بهدف خفض أسعار تلك السندات وزيادة نسبة العائد عليها. وفي الآونة الأخيرة ارتفعت نسبة العائد على سندات الخزانة إلى أعلى مستوى لها منذ 16 عاماً فيما اعتبره بعض المحللين أسوأ أزمة في تاريخ سوق السندات عامة.
وأشار تورستن سلوك، من شركة الاستثمار "أبوللو جلوبال مانغمنت" إلى مسئولية الصين عن ذلك الاضطراب في سوق السندات استناداً إلى الأرقام والبيانات الرسمية التي أظهرت بيع بكين ما قيمته 300 مليار دولار من سندات الخزانة منذ عام 2021، وفي أغسطس الماضي فقط باعت من الأصول الأمريكية ما قيمته 21.2 مليار دولار معظمها سندات خزانة.
حيازة الصين
إلا أن براد سيستر يرى أن تلك الأرقام والبيانات لا تعطي صورة كاملة، مؤكداً أن حيازة الصين من سندات الدين الأمريكية مستقرة تقريباً منذ عام 2015، وأن الأرقام المعلنة في بيانات وزارة الخزانة عن رأس المال الأجنبي تتعلق فقط بالدين الأجنبي المسجل في مؤسسات مالية أمريكية. وأضاف "إذا تم تعديل الأرقام بالأخذ في الاعتبار سندات الخزانة المسجلة لدى مؤسسات أجنبية مثل شركة يوروكلار البلجيكية مثلاً، فإن حيازة الصين من الأصول الأمريكية تبدو مستقرة في حدود ما بين 1.8 و1.9 تريليون دولار".
لا تأخذ البيانات الأمريكية الرسمية في الاعتبار أصول الدين الأمريكية التي تتم عبر طرف ثالث، ومعروف أن إدارة السوق الأجنبية الحكومية الصينية لديها حسابات في صناديق تحوط عالمية وأيضاً لدى صناديق ثروات خاصة.
يضاف إلى ذلك أن التراجع في مشتريات الصين من سندات الخزانة الأمريكية ليس بالحجم الكبير الذي يتم تصويره.
ويرى سيستر أنه في مرحلة ما تجاوز حجم حيازة الصين من أوراق الدين الأمريكي في شكل سندات الهيئات حيازتها من سندات الخزانة، ففي عام 2022 والأشهر الستة الأولى من 2023 اشترت الصين ما قيمته 100 مليار دولار من سندات الهيئات وباعت فقط ما قيمته 40 مليار دولار من سندات الخزانة.
مبالغة في تصوير استخدام الصين سندات الدين سلاحاً
ويبدو أن هناك مبالغة في تصوير استخدام الصين سلاح سندات الدين الأمريكي في صراعها الاقتصادي الممتد مع واشنطن، أو كإجراء مقابل للعقوبات والقيود الأمريكية التي تفرضها الولايات المتحدة على بكين، إذ إنه ليست من مصلحة ثاني أكبر اقتصاد في العالم أن يدفع باتجاه انهيار سوق السندات بشكل عام، وفي النهاية لا يبدو أن الاحتياطات الأجنبية الصينية في شكل سندات أمريكية أو العملة الأمريكية تتراجع بالشكل الذي تبالغ فيه بعض التقارير.