الاحتكار فى سوق التصنيف الائتمانى
أخيرًا وبعد طول انتظار خضعت وكالات التصنيف الائتمانى الأمريكية CRAs) CREDIT RATING AGENCIES) للرقابة بعد تفجر الأزمة المالية العالمية، حيث ظلت هذه الوكالات لا تخضع للرقابة لعدة عقود، وتحديدا منذ بداية أنشطة هذه الوكالات فى السوق الأمريكية فى عشرينيات القرن الماضى، حيث خضعت هذه الوكالات للرقابة فعليًا فى عام 2008 إبان تفجر الأزمة المالية العالمية بموجب قانون إصلاح وول ستريت المعروف إعلامياّ بأسم قانون دود-فرانك.
والجهة المنوط بها الرقابة على وكالات التصنيف الائتمانى الأمريكية هى لجنة الأوراق المالية الأمريكية وذلك بموجب قانون صدر من الكونجرس الأمريكى يهدف إلى تنظيم والإشراف على عمل هذه الوكالات وتشجيع قواعد المنافسة الحرة فيما بينها، حيث تشرف لجنة الأوراق المالية الأمريكية على عشر شركات أو وكالات للتضيف الائتمانى أشهرها ستاندرد أبورز S&P وموديز MOODYS وفيتش FITCH، وبرغم حرص لجنة الأوراق المالية الأمريكية المشرفة قانونًا على عمل هذه الوكالات على إرساء قواعد المنافسة الحرة والعادلة بين الوكالات العشرة التى تشرف عليها، إلا أن قواعد هذه المنافسة الحرة مازالت مجرد حبر على ورق ليس إلا، حيث تحتكر الوكالات الثلاثة السابقة سوق تصنيف الديون فى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداّ تحتكر هذه الوكالات الثلاثة ما يزيد عن 95% من سوق تصنيف الديون الأمريكية بسيطرتها على حوالى 2.5 مليون تصنيف إئتمانى بحصة تقل عن 5% من إجمالى سوق تصنيف الديون الأمريكية.
ولقد ساهمت وكالات التصنيف الائتمانى هذه مساهمة كبيرة جدًا فى اندلاع الأزمة المالية العالمية، حيث أصدرت تصنيفات إئتمانية جيدة أو مرتفعة لسندات الرهن العقارى المورقة بشكل أدى إلى التدليس أو خيانة الأمانة، حيث أقبل المستثمرون على شراء هذه السندات المورقة اعتمادًا على جودة التصنيف الائتمانى الممنوح لهذه السندات، وسرعان ما توقف عملاء الرهون العقارية عن السداد فإنهارت قيمة هذه السندات فى البورصات لكونها سندات مورقة وبضمان هذه الرهون العقارية، حيث إنهار السوق العقارى سريعًا وفقدت العقارات 80% من قيمتها السوقية وتآكلت أموال المستثمرين وصناديق الاستثمار والمعاشات الحائزة لهذه السندات المورقة التى منحتها وكالات التصنيف الائتمانى مراتب تصنيف ائتمانى مرتفعة، وهى فى الواقع سندات رديئة، لذلك كانت هذه الوكالات المتهم الثانى بعد البنوك فى صناعة فقاعة الرهن العقارى.
وتضطر صناديق الاستثمار والمعاشات إلى الاعتداد بالتصنيفات الائتمانية الصادرة عن هذه الوكالات قبل اتخاذ قرارات الاستثمار فى أدوات الدين بسبب المتطلبات القانونية والتنظيمية المفروضة على هذه الصناديق والتى وثقت فى التصنيفات الائتمانية لهذه الوكالات ثقة عمياء، ولكنها وبكل أسف قد خذلت الجميع!!
وبرغم خضوع وكالات التصنيف الائتمانى حديثا للرقابة، إلا أن فضائحها لم تتوقف، حيث فجرت الصحافة الأمريكية مؤخرًا فضيحة من العيار الثقيل، حيث أخطأ أحد أشهر هذه الوكالات فى مبلغ تريليونين دولار أمريكى ضمن تقديرات خفض العجز فى الموازنة الأمريكية خلال العشر سنوات القادمة، ويعنى ذلك جهل هذه الشركات بهيكل إيرادات ومصروفات الموازنة الأمريكية.
أما عن الجانب المتعلق بآليات الرقابة على وكالات التصنيف الائتمانى، فإنه يعتمد على إجازة لجنة الأوراق المالية الأمريكية للمنهج العلمى الذى تستخدمه كل وكالة فى التقييم والتصنيف ثم مطابقة نتائج التصنيف التى أنتجها نظام التصنيف للوكالة، وإلى أى مدى تحقق هذا التصنيف ونسبته فى الواقع العملى، ويتعين على الجهات الرقابية إيقاف عمل الوكالة التى تأتى تصنيفاتها الائتمانية بعيدة عن الواقع العملى ومضللة للمستثمرين ومتخذى القرارات الاستثمارية.
ولا يقتصر عمل شركات التصنيف الائتمانى على السوق الأمريكية فقط، بل تحتفظ الشركات الشهيرة أو المحتكرة والأكثر شهرة بفروع لها فى معظم أنحاء العالم ولا سيما أوروبا والشرق الأقصى، وتمارس أعمالها وتأثيرها السلبى فى كافة أسواق العالم المالية والائتمانية.
ومع تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الامريكية ربما تتفادى شركات التصنيف الائتمانى الرقابة من جديد على خلفية توقيع دونالد ترامب على مرسوم يقضى بإعادة النظر فى قانون إصلاح وول ستريت المعروف باسم قانون دود-فرانك والذى أجازته إدارة الرئيس الأمريكى السابق أوباما فى أعقاب الأزمة المالية العالمية طبعة 2008، وقد أرسى هذا القانون عدة آليات لضمان السلامة المالية والمصرفية للبنوك الأمريكية، ومن أهم هذه الاّليات:
1- مكتب الحماية المالية للمستهلك
ويختص بحماية عملاء الرهون العقارية وبطاقات الائتمان من الممارسات التى تنتهجها بعض البنوك لتضليل العملاء، كما يختص أيضاّ بتقييد حرية البنوك فى تقديم العروض والإغراءات الائتمانية للعملاء.
2-مكتب مراقبة خدمات التصنيف الائتمانى
و يختص بمراقبة أنشطة شركات التصنيف الائتمانى ،وتقييم منهجية METHODOLOGY التى تطبقها فى منح مراتب التصنيفات الائتمانية بدرجاتها المختلفة.
3- اختبار التحمل المالى STRESS TEST
ويفرض هذا الاختبار على البنوك سنويا بهدف التحقق من مدى توفر رأس المال الكافى لدى البنوك لاستمرار عملياتها فى المستقبل من عدمه ويحد هذا الاختبار من إفراط البنوك فى استخدام الروافع المالية LEVERAGE على حساب حقوق الملكية.
4- قاعدة فولكر
هى أحد أهم العناصر الرئيسية في قانون دود-فرانك وتقيد هذه القاعدة استثمارات وتوظيفات البنوك فى الأدوات المالية مرتفعة المخاطر، ولا سيما فى مجال المضاربات، وبهدف ضمان حماية أموال المودعين فى البنوك.
وأخيرًا بقى أن نعرف أن البنوك التى كانت تعتمد على كوادرها الداخلية فى التصنيف والتقييم RATING كانت أقل تأثرًا بالأزمة المالية العالمية مقارنة بتلك البنوك التى اعتمدت بشكل كامل ومباشر على شركات التصنيف الائتمانى الخارجية OUTSOURCING.