المصري للشئون الخارجية: دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس ستظل قضيتنا المركزية
قال اللواء محمد إبراهيم، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن القضية الفلسطينية بجميع مكوناتها هي القضية المركزية العربية في جميع الأوقات، ورغم كل الظروف ومهما تصاعدت وتيرة قضايا أخرى في المنطقة وصعدت إلى سلم الأولويات الإقليمية، مؤكدًا وجوب الحفاظ على هذه القضية في دائرة الضوء حتى لا تضيع تماما وتدخل في دائرة النسيان الإقليمي والدولي وهو ما تهدف إليه إسرائيل بالقطع".
وفي مقاله بمجلة "المصور" وتحت عنوان "لن يهنأ لها بال حتى بزوغ الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ثوابت مصرية في القضية الفلسطينية"، قال اللواء محمد إبراهيم: "شهدت هذه القضية خلال الفترة الأخيرة بعض التطورات المهمة يجب أن أقف عندها كثيرا ولعلي هنا سوف أركز على تطورين رئيسيين وشديدي الأهمية ويحتاجان إلى بعض الإيضاح وإلقاء الضوء عليهما نظرا لتأثيرهما المباشر على مستقبل القضية:
أولهما.. الانفتاح المصري على قطاع غزة
وثانيهما.. الأحداث الأخيرة التي شهدها المسجد الأقصى المبارك.
نأتي إلى التطور الأول وهو الانفتاح المصري على قطاع غزة وما قد فسره البعض بأنه يعد تحولا جديدا في السياسة المصرية تجاه القطاع، وفي البداية يجب أن أركز على نقطتين رئيسيتين مرتبطتين بالسياسة المصرية على المستوى الفلسطيني.. الأولى وهي أن القضية الفلسطينية تعد قضية أمن قومي لمصر ولا يمكن لأي طرف أيا كانت وضعيته أن يزايد على الدور المصري التاريخي تجاه هذه القضية منذ نشأتها وحتى الآن ولن أكون مبالغا إذا قلت إن مصر لن يهنأ لها بال حتى ترى بزوغ الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
النقطة الثانية أن مصر تتعامل مع الرئيس أبو مازن باعتباره الرئيس الشرعي للسلطة الفلسطينية ولا يمكن لأحد أن يشكك في هذا الأمر، وأعتقد أن اللقاءات المتكررة للرئيس عبدالفتاح السيسي مع الرئيس الفلسطيني خير دليل على ذلك".
وأضاف إبراهيم: "السؤال الذي يبدو منطقيا ومشروعا هنا هو هل هناك سياسة مصرية جديدة تجاه قطاع غزة.. وحتى تكون الإجابة عن هذا السؤال منطقية أيضا يجب أن أوضح ثلاثة محددات رئيسية: -
المحدد الأول.. أن قطاع غزة بحدوده الممتدة مع مصر لمسافة 14 كيلومترا في الاتجاه الشمالي الشرقي يدخل ضمن ما نسميه "دائرة الأمن القومي المباشر" والتي تمثل أهم دوائرنا الأمنية ولا يمكن لأحد أن ينازع مصر حقها في اتخاذ جميع الإجراءات للحفاظ على أمنها القومي.
المحدد الثاني.. أننا مازلنا نعاني من الإرهاب في منطقة شمال سيناء وهناك ارتباطات مؤكدة بين هذا الإرهاب الأسود وجماعات متطرفة موجودة بالفعل في قطاع غزة وتم استغلال الأنفاق على الحدود بين مصر وغزة من أجل تقديم الدعم اللوجيستي للجماعات الإرهابية في عملياتهم ضد القوات المصرية في هذه المنطقة.
المحدد الثالث.. أن هناك قوة مسيطرة فعليا على قطاع غزة لابد لمصر من التعامل معها من أجل تأمين الحدود وتهدئة الوضع في القطاع وهذه القوة هي حركة حماس، وهو ما يعني أن تعاملنا الحالي مع هذه الحركة تفرضه الضرورة ولا علاقة له بالجانب السياسي وإنما يرتكز على الجانب التأميني وتحميل حماس المسئولية كاملة عن أي محاولات للمساس بالأمن القومي المصرى انطلاقا من القطاع، ولا شك أن المتابع لهذا الملف يرى أن حماس بدأت في اتخاذ إجراءات على الأرض لتأمين الحدود مع مصر وهي خطوة وإن كانت غير كافية إلا أنها مطلوبة.
وتابع: "إذن فمن الواضح أن كل ما تقوم به مصر تجاه القطاع لا يمكن اعتباره سياسة جديدة وإنما هو عبارة عن مجموعة إجراءات ضرورية تندرج في إطار السياسة العامة لمصر تجاه القطاع تهدف إلى تخفيف المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني والحيلولة دون وصول الوضع الاقتصادي والأمني إلى مرحلة الانفجار الذي إن حدث سيؤثر على الأمن القومي المصري.. هذا في الوقت الذي تتحرك فيه القيادة السياسية المصرية لدعم القضية الفلسطينية سواء مع الأطراف الرئيسية الأخرى مثل إسرائيل والولايات المتحدة أو في جميع المحافل الدولية".
ونوه في هذا الصدد بأن المسئولين المصريين عندما يلتقون مع أي من الفصائل أو التنظيمات أو القيادات والشخصيات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية فإن ذلك لا يمكن اعتباره مساسا بالقيادة الشرعية الفلسطينية الممثلة في الرئيس أبو مازن الذي تحرص مصر على دعمه بصفة دائمة، كما أن هذه اللقاءات تصب نتائجها أساسا في الصالح الفلسطيني العام.
واستطرد: "أما التطور الثاني فيتمثل في الأحداث الأخيرة التي شهدها المسجد الأقصى واستحداث بوابات إلكترونية أو كاميرات مراقبة وهي كلها في رأيي شكليات لا يجب أن تكون بمثابة جوهر الصراع حول المسجد الأقصى فالأمر أكبر وأعمق من ذلك بكثير، وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى ثلاث نقاط أساسية:-
النقطة الأولى.. أن إسرائيل تتعامل مع القدس الشرقية بما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية باعتبارها تمثل مع القدس الغربية العاصمة الموحدة والأبدية للدولة استنادا إلى قرارات الكنيست في هذا الشأن وفرض سياسة الأمر الواقع التي تسير بخطى ثابتة نحو تهويد المدينة العربية من خلال تنفيذ سياسة استيطانية ممنهجة ومتدرجة ومعلنة ضاربة بعرض الحائط أية مواقف أو اعتراضات أو قرارات إقليمية أو دولية.
النقطة الثانية.. أن إسرائيل وإن كانت قد وافقت على استمرار الإشراف الأردني على المسجد الأقصى إلا أنها لا تعترف بالسيادة الفلسطينية عليه بل أتاحت للجماعات اليهودية المتطرفة وللمسئولين الإسرائيليين الرسميين زيارة ساحة المسجد حيث تقوم هذه الجماعات باقتحامه على فترات وهنا يحب التذكير بالمبدأ الذي تسعى إسرائيل إلى تثبيته وهو التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بين الفلسطينيين واليهود.
النقطة الثالثة.. أن ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية كانت قوية وأدت إلى تراجع إسرائيل عن إجراءاتها التي استحدثتها في المسجد الأقصى ولكن يجب ألا ننسى أن جميع ردود الأفعال ركزت فقط على مسألة البوابات الإلكترونية ثم سرعان ما انتهت حدتها ولم نشاهد هذه المواقف القوية وإسرائيل تقوم بتهويد مدينة القدس الشرقية وبناء صروحها الاستيطانية كل يوم.
وأردف: "بالتالي إن ما حدث في المسجد الأقصى مؤخرا يعد بلورة حقيقية لطبيعة السياسة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة التي تسير بشكل ممنهج يستند على إيجاد أمر واقع جديد على الأرض في المرحلة الأولى ثم التحرك لدعم هذا الواقع الجديد بإجراءات متنوعة بعضها شكلي ومعظمها جوهري حتى إذا أثيرت أي مواقف خارجية معارضة ورافضة لهذه الإجراءات، فإن الرفض يركز على الجانب الشكلي فقط (مطالبة إسرائيل بإزالة البوابات الإلكترونية) دون التعرض لجوهر الوضع الحقيقي على الأرض (السياسة الإسرائيلية لتهويد المدينة) وبحيث يكون أي تراجع إسرائيلي عن النواحي الشكلية وغير الأساسية يبدو وكأنه تنازل رئيسي من جانب إسرائيل".
وقال: "في ضوء ما سبق ليس من المنطق أن أقوم بسرد أو تحليل الأحداث فقط دون أن أجتهد وأقترح ثلاثة مسارات للحركة الفلسطينية والعربية خلال المرحلة المقبلة وهي في رأيي يمكن أن تكون على النحو التالي: -
المسار الأول.. يتمثل في ضرورة الخروج بدروس مستفادة من أحداث المسجد الأقصى أهمها على الإطلاق أن استخدام المقاومة السلمية للمطالبة بالحق الفلسطيني يعتبر عاملا ا يمكن أن يدفع إسرائيل إلى تقديم التنازلات المطلوبة في العملية السياسية بأكملها.
المسار الثاني.. ضرورة ألا نترك الفلسطينيين يواجهون تهويد القدس بمفردهم بل يجب أن يكون الدعم المادي المقدر والمحمود الذي تقدمه مؤتمرات القمة العربية المختلفة لدعم القدس مرتبطا بالسماح للعرب وللمسلمين من جميع أنحاء العالم بزيارة القدس والمسجد الأقصى، وفي رأيي أن هذا الإجراء سيكون الأكثر فاعلية من أي إجراءات أخرى.
المسار الثالث.. أن تقود مصر بتاريخها وخبراتها المجموعة العربية نحو استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أقرب فرصة ممكنة استنادا إلى مرجعيات مقبولة وتأسيسا على أفضل مبادرة عربية للسلام وهي المبادرة المطروحة منذ قمة بيروت 2002، خاصة أن توقف المفاوضات لا يصب إلا في مصلحة إسرائيل ويمنحها الفرصة لمزيد من تهويد القدس في ظل غياب المفاوض والشريك الفلسطيني.