آلية الريبو (إعادة الشراء)
فى أعقاب ثورة 25 يناير شهدت عمليات الريبو REPO – إعادة الشراء- نشاطًا ملحوظًا وكبيرًا جدًا وذلك على خلفية تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر والذى ألقى بظلاله سريعًا على سوق المال محليًا وأدى إلى انصراف المستثمرين الأجانب والعرب عن الاستثمار فى أدوات الدين المحلى من أذون خزانة وسندات، ولم يكن أمام الحكومة بديل إلا اللجوء للجهاز المصرفى المصرى لتمويل أدوات الدين العام الذى تفضله البنوك نظرًا للمخاطر الزائدة التى ألمت بالاقتصاد بسبب الانفلات الأمنى وتراجع أداء بعض الأنشطة الاقتصادية وفى مقدمتها القطاع السياحى.
ونظرًا لتكثيف البنوك المصرية من استثماراتها فى أدوات الدين العام لسد الفراغ الناتج عن انسحاب المستثمرين العرب والأجانب من سوق المال ولتلبية احتياجات الدولة التمويلية، فلقد تأثر مركز السيولة النقدية بالسلب قليلاّ فى بعض البنوك، لذلك سارع البنك المركزى المصرى بتلبية إحتياجات البنوك من السيولة بتنظيم مزادات أو عروض إعادة الشراء أو الريبو بصفة أسبوعية وتحديدًا يوم الثلاثاء من كل أسبوع.
وعمليات إعادة الشراء أو الريبو عبارة عن عقد يتم بموجبه أو بمقتضاه قيام البنك المركزى بشراء أذون الخزانة من البنوك على أن تقوم البنوك بإعادة شراء هذه الأذون من البنك المركزى مرة أخرى فى تاريخ لاحق، عادة ما يكون لأجل قصير جداّ أو بعد سبعة أيام وبسعر عائد محدد تحدده لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى.
ويترتب على ذلك أن عقد إعادة الشراء يتضمن عقدين فى عقد واحد، الأول يتضمن قيام البنك المركزى بشراء أذون الخزانة من البنوك، والثانى يتضمن قيام البنوك بإعادة شراء نفس الأذون التى سبق أن باعتها للبنك المركزى فى العقد الأول، لذلك يسمى بعقد إعادة الشراء، أى إعادة شراء أذون الخزانة التى سبق أن باعتها البنوك للبنك المركزى، فالبنك المركزى يبدأ عقد الريبو مشتريًا ثم ينهيه بائعًا، والعكس صحيح بالنسبة للبنوك، فالبنوك تبدأ عقد الريبو بائعة ثم تنهيه مشترية.
ويرى البعض أن البنك المركزى يقوم برهن أذون الخزانة موضوع عقد الريبو لصالحه خلال فترة العقد التى غالبًا ما تكون لأجل أو لعدة أيام قليلة، ولكن علاقة البنك المركزى بالبنوك فى عقد الريبو ليست علاقة مدين راهن بدائن مرتهن، بل علاقة بائع بمشترى أو مشترى ببائع بموجب نصوص عقد خاص ينظم معاملة مصرفية كلاسيكية وراسخة جداّ، لذلك لا يعتبر عقد الريبو أو إعادة الشراء بمثابة عقد رهن أوراق مالية، لأن عقد الرهن يمنح الدائن المرتهن حق امتياز على المنقول المرهون، بينما عقد الريبو ينص على علاقة بيع وإعادة شراء واضحة وصريحة لأدوات مالية قصيرة الأجل.
ويقوم البنك المركزى بهذه الآلية بهدف توفير السيولة النقدية للبنوك فى الأجل القصير، وذلك للسيطرة على أزمات السيولة النقدية المؤقتة التى قد تواجه بعض البنوك من جهة، ومن جهة أخرى للتحكم فى مستوى السيولة النقدية وفى أسعار الفائدة فى نطاق البعد التشغيلى للسياسة النقدية، وكأداة من أدوات السياسة النقدية المتعارف عليها بشكل عام.
وتختلف آلية الريبو عن آلية عمليات السوق المفتوحة فى أن الأولى تكون محددة العقد ولعدة أيام، أما الثانية، أى عمليات السوق المفتوحة فتمتد لآجال أطول، حيث يدخل البنك المركزى مشتريًا للأوراق المالية فى البورصة إذا ما رغب فى زيادة العرض النقدى فى الاقتصاد الكلى، بينما يدخل بائعًا للأوراق أن المالية إذا ما رغبت فى تقليص العرض النقدى فى الاقتصاد الكلى، إذن فالأجل الأقصر والغرض الأقل نطاقًا والأكثر تحديدًا يميز عقد الريبو عن عمليات السوق المفتوحة التى تتصف بالأجل الأطول وبالنطاق الأوسع، ولكنهما يشتركان فى خاصة مشتركة تكمن فى التأثير على مستوى السيولة النقدية وعرض النقود وفقًا لطبيعة كل منهما ونطاقه.