بعد حجب الثقة عن حكومته
شولتس يدعو إلى انتخابات مبكرة قد تنهي ولايته مســتشــاراً لألمانيا
خسر المستشار الألماني، أولاف شولتس، تصويت الثقة في «البوندستاج» (مجلس النواب الألماني الاتحادي)، ما مهد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة، من المرجح أن تُنهي ولايته مستشاراً لألمانيا.
وكان الائتلاف الحكومي في ألمانيا - الذي يُعرف بـ«ائتلاف إشارات المرور» بين الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة شولتس، والديمقراطيين الأحرار الليبراليين، وحزب الخضر - انهار، الشهر الماضي، ما ترك المستشار من دون أغلبية حاكمة.
وبعد التصويت، طلب شولتس من الرئيس، فرانك فالتر شتاينماير، حلّ البرلمان، الذي سيكون لديه الآن 21 يوماً لاتخاذ قرار بشأن الأمر، ومع ذلك سيقوم شولتس مع وزرائه بدور تصريف الأعمال حتى تشكيل الحكومة المقبلة، لكن العملية قد تستغرق شهوراً إذا طالت مفاوضات الائتلاف.
خلال الجدول الزمني الذي حدده المستشار الألماني بعد محادثاته مع شتاينماير والديمقراطيين المسيحيين، وهي المجموعة المعارضة الرئيسة، سيحل الرئيس «البوندستاج» رسمياً في 27 ديسمبر، قبل إجراء الانتخابات في فبراير.
وقال شولتس للصحافيين، الأربعاء الماضي، بعد تقديم طلبه للتصويت: «إذا اتبع الرئيس اقتراحي، فسيكون الناخبون قادرين على انتخاب (بوندستاغ) جديد في 23 فبراير، وهذا هو هدفي».
تصويت حاسم
وفي تصويت الثقة الحاسم، صوّت 207 نواب لمصلحة شولتس، وهو أقل بكثير من الأغلبية المطلقة البالغة 367 صوتاً التي يحتاج إليها.
وعلى النقيض من ذلك، صوّت 394 نائباً ضده، فيما امتنع 116 عن التصويت.
وتنهي هذه النتيجة فترة عصيبة من الجمود السياسي التي شهدت خلافات بين أحزاب الائتلاف حول السياسة الاقتصادية وقواعد الميزانية الدستورية الصارمة، وكان آخر فصولها طرد شولتس الحزب الديمقراطي الحر، الشهر الماضي.
ومع بدء المناقشة في البرلمان، حدد شولتس خططاً للإنفاق الضخم على الأمن والأعمال والرفاهية الاجتماعية، إلا أن زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرز، الذي من المتوقع أن يحلّ محل شولتس مستشاراً، طالب الأخير بتوضيح عدم اتخاذه هذه الخطوات في الماضي، متسائلاً: «هل كنت على كوكب آخر؟» وزعم شولتس أن حكومته حققت تقدماً كبيراً في السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك زيادة الإنفاق على القوات المسلحة الألمانية، التي قال إن الحكومات السابقة بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي تركتها «في حالة يرثى لها».
لكن ميرز ردّ عليه بأنه تسبب في وقوع البلاد في «واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب»، مضيفاً: «لقد أتيحت لك الفرصة، لكنك لم تستغلها.. أنت لا تستحق الثقة».
وتابع ميرز: «حان الوقت للاستثمار بقوة وحسم في ألمانيا»، محذراً من خطورة حرب روسيا وأوكرانيا، موضحاً أن «قوة نووية مسلحة للغاية تشن حرباً في أوروبا على بعد ساعتين فقط من هنا».
خطوة نادرة
يُعدّ التصويت بحجب الثقة، خطوة نادرة في السياسة الألمانية، التي شهدت استقراراً ملحوظاً منذ تأسيس الجمهورية الفيدرالية الألمانية في عام 1949.
وتميل الحكومات إلى تمرير الفترة التشريعية الكاملة التي تبلغ أربع سنوات، وقد ظل معظم المستشارين في مناصبهم لأكثر من فترة واحدة.
وهذا التصويت هو السادس على الثقة، وسيؤدي إلى انتخابات مبكرة للمرة الرابعة منذ الحرب العالمية الثانية.
ويبدو أن شولتس (66 عاماً) سيصبح ثالث مستشار ألماني يمضي أقصر فترة في منصبه، بعد كورت جورج كيسنجر ولودفيج إيرهارد من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وكلاهما شغل منصب المستشار في الستينات.
وحدد المستشار قائمة بالتدابير التي يمكن تمريرها بدعم من المعارضة قبل الانتخابات، التي تشمل 11 مليار يورو من التخفيضات الضريبية، وزيادة في إعانات الأطفال التي جرى الاتفاق عليها من قبل شركاء الائتلاف السابقين.
وقال شولتس: «في هذه الانتخابات، يمكن للمواطنين الألمان تحديد المسار السياسي لبلدنا»، وأضاف متسائلاً: «ألا نثق في أنفسنا كدولة قوية تستثمر في المستقبل؟ أليس لدينا ثقة في أنفسنا وبلدنا؟ أم هل سنعرض مستقبلنا للخطر؟».
وكان شولتس، شكل أول ائتلاف ثلاثي على الإطلاق في الجمهورية الألمانية الحديثة، بعد فوزه في انتخابات عام 2021، والذي يتألف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والحزب الديمقراطي الحر المؤيد للأعمال التجارية.
ومع ذلك، ألغت الحرب بين روسيا وأوكرانيا البرنامج الذي تفاوضت عليه الأحزاب المتنوعة أيديولوجياً بشق الأنفس بعد الانتخابات.
وفي حديثه قبل المناقشة، قال شولتس موجهاً اللوم لشركائه في الائتلاف: «شيء من هذا القبيل لا يضر بسمعة الحكومة فحسب، بل يضر بسمعة الديمقراطية ككل.. هذا الضرر تسبب فيه الحزب الديمقراطي الحر، وأنا آسف بشدة لهذا الضرر».
نظام المزايا
ويبدو أن شولتس الآن على وشك السير على خطى زميله المستشار السابق الاشتراكي الديمقراطي جيرهارد شرودر، الذي خسر تصويت الثقة في عام 2005، في ولايته الثانية، بسبب عدم شعبية تحريره لنظام المزايا في ألمانيا.
لكن محاولة شرودر لتعزيز أغلبيته باءت بالفشل، وخسر الانتخابات اللاحقة أمام المستشارة السابقة، أنجيلا ميركل، التي ظلت مستشارة لمدة 16 عاماً.
ويتخلف حزب شولتس عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة ميرز في استطلاعات الرأي بنحو 14 نقطة، ما يعادل 17%. وحصل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، على نسبة أعلى من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بنسبة 18% إلى 20%.
قد لا تنهي الانتخابات حكم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث كان الحزب شريكاً في الائتلافات الحاكمة من دون انقطاع تقريباً منذ عام 1998.
ومن بين خيارات ميرز في حالة الفوز تشكيل حكومة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو التشكيل المميّز لميركل.
ستدخل سبعة أحزاب حملة الانتخابات البرلمانية بفرصة واقعية للحصول على مقاعد، وبعض الأحزاب على الهامش السياسي- خصوصاً على اليمين- على استعداد لتقديم أداء قوي، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
إقالة
ومن المتوقع على نطاق واسع إقالة شولتس من منصبه مستشاراً، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن الديمقراطيين المسيحيين المحافظين على استعداد لإنهاء الحملة في المرتبة الأولى، متقدمين بفارق كبير على الديمقراطيين الاجتماعيين بزعامة شولتس.
ومن المرجح أن تهيمن على الحملة العديد من القضايا التي أزعجت أوروبا في السنوات الأخيرة، حيث إن ألمانيا وفرنسا غارقتان في مناقشات حول أفضل السبل لإحياء اقتصاديهما المتعثرين، وسد الفجوات الاجتماعية المتنامية، وتخفيف مخاوف الناخبين بشأن الهجرة ودعم الدفاع الوطني، فضلاً عن أن أوروبا قلقة أيضاً بشأن علاقاتها الاقتصادية مع الصين، التي نمت لتصبح منافساً هائلاً للعديد من أهم صناعاتها، لكنها لم تصبح سوقاً استهلاكية مزدهرة للمنتجات الأوروبية التي تصورها القادة منذ فترة طويلة.
كما أن الاتحاد الأوروبي يشعر بالخوف من الفترة الرئاسية الجديدة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي هدد بحرب تجارية، ونهاية التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي ضمن أمن أوروبا لمدة 75 عاماً.
ركود
أصيب الاقتصاد الألماني بالركود هذا الخريف، كما ساعدت الخلافات حول كيفية تحقيق التوازن في الميزانية - وحول ما إذا كان ينبغي زيادة الاقتراض الحكومي أو تنفيذ المزيد من تدابير التقشف - في تعميق الشقوق في حكومة أولاف شولتس، قبل أن تنقسم.