مصر التي أنقذت العالم.. ليس على طريقة أفلام هوليوود (2)
كما سبق وقلت إن مصر كانت عقبة في طريق طموح المغول الجامح لغزو العالم والسيطرة عليه، وكانت تمثل شوكة في ظهر الانطلاق شمالاً نحو أوروبا، لذلك لا يصح التحرك خطوة إلى الأمام وهذا الخطر الداهم يتهددهم.
كما أن الظروف في مصر كانت مهيأة منذ سنوات لهزيمة تقضي عليها تماماً وتخرجها من معادلة التاريخ، هكذا ظنوا وخاب ظنهم.
مصر .. ظروف غير مهيأة
كانت مصر قبل سنوات تواجه حملة صليبية شرسة بقيادة ملك فرنسا نفسه، الذي دفع الثمن غالياً، ولكن في المقابل دفعت مصر كالعادة ثمناً يهون أمام حفظ كبريائها، من دماء أبنائها الطاهرة، وأموال شعبها الذي ما تخلف يوماً عن واجبه.
ثم أنه في أثناء الحملة الصليبية مات سلطانها الصالح نجم الدين أيوب، ثم قتل من بعده ولده توران شاه، وتولت السلطنة السلطانة شجرة الدر، التي رفض الخليفة المستعصم في بغداد توليها السلطنة، وليتها كان في عزمها وشدة بأسها وقاوم المغول ولم تسقط بغداد في أيديهم بسببه، فتنازلت عن السلطنة للأمير عز الدين أيبك وتزوجته، وما لبث أن قتل، وقتلت شجرة الدر، فكان السلطان من بعده ولده علي، وكان صبياص لا يستطيع أن يواجه الخطر المحدق بمصر، فخلعه نائب السلطنة بموافقة العلماء والقادة والأمراء وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبدالسلام، وتولى السلطنة الملك المظفر سيف الدين قطز، الذي قيضه الله تعالى لمواجهة المغول.. الذين أرسلوا رسلهم يخوفونه فطاف بهم على جيشه وأراهم قوته ثم قتلهم كفعلهم مع الرسل، بمبدأ المعاملة بالمثل.
الاستعداد للحرب
ثم احتاج قطز أموالاً لينفق على الاستعداد للحرب، وأراد أن يفرض مزيداً من الضرائب، فرفض العز بن عبدالسلام فرض أعباء على الناس قبل أن يؤدي أمراء المماليك ما عليهم، وقد كان، فأخذ السلطان قطز من اموال أمرائه المماليك حتى استوفى ثم فرض ضرائب على باقي الناس، دفعها المصريون وليس بهم سخط، فهم يعلمون ما الذي تستعد مصر لمواجهته.
اليوم الموعود .. عين جالوت
واقترب اليوم الموعود، يوم 25 رمضان من عام 658 هـ، الموافق لـ3 سبتمبر من عام 1260 م، التقى جيش المغول بقيادة قائدهم العظيم كتبغا وهو الجيش الطامح لغزو العالم، بجيش مصر حاضرة الدنيا وأيقونة التاريخ منذ سطره الأول بقيادة سيف الدين قطز، ليزود ليس فقط عن مصر؛ بل عن كل العالم المأهول وقتها، واستطاع جيش مصر أن يهزم المغول للمرة الأولى في تاريخهم هزيمة منكرة، قصمت ظهر دولتهم، فتراجعت وصارت بعدها أثراً بعد عين، بعد أن كانت كابوساً يهدد البشرية.
ماذا لو؟
لك أن تتخيل عزيزي القارئ، ماذا لو كانت نتيجة الموقعة غير ذلك، كيف كان شكل العالم بعدها وهم يمرحون بكل حرية في أوروبا وفي أفريقيا بعد أن أبعدوا مصر ليس فقط عن جغرافية العالم، بل من صفحات التاريخ.
كنا سندرس التاريخ بشكل آخر ولن نعرف بريطانيا العظمى ولا إمبراطورية فرنسا وثورتها، ولا سيظهر البلاشفة في روسيا القيصرية.
مصر لم تكتب تاريخها فقط.
مصر كتبت تاريخها وتاريخ الممالك العظمى من بعدها.
وصارت عين جالوت يوماً من أيام الإنسانية كلها، ونفحة ربانية من نفحات شهر رمضان المعظم، الذي كثرت فيه انتصاراتنا.. فاللهم مزيداً من النصر والتوفيق والسداد.