عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس التحرير
مواهب عبدالرحمن

يوم استرد المصريون روح رمضان المفقودة

الميزان

 

شهر رمضان في مصر له خصوصية شديدة، يعرفها من حكمت عليه الظروف بقضاء رمضان أو أياماً منه خارج مصر، منذ مئات السنين ولرمضان حلاوته الخاصة في مصر وشوارعها وحواريها وفي نفوس أهلها.

لكن هذه الحلاوة وهذه الروح فقدتها مصر وافتقدها المصريون لمائة وثمانية وثمانين يوماً وليلة رمضانية.. منذ زلزال صيف 1967 وهزيمة يونيو التي مررت كل شيء في بلاد النيل أم الدنيا.

عاش المصريون ست سنوات وأربعة أشهر تقريباً لا يعرفون طعم الفرحة وفي الحلوق مرارة.. مرت ست رمضانات احتوت على مائة وثمانية وسبعون يوماً وليلة رمضانية وازدادوا عشراً في رمضان السابع.. كانت هذه السنوات الست سنوات عجاف من الفرحة لكنها كانت سنوات عمل وعرق ودماء ذكية دفعها المصريون عن طيب خاطر؛ بل وبتلهف على يوم السداد ليدفعوا أكثر وأكثر حتى تستعيد مصر كبرياءها المفقود ويستعيد المصريون حلاوة أيامهم وطيب الذكر في صفحات التاريخ.

هلت أولى ليالي رمضان 1393 وكانت ليلة الخميس الموافق 27 من شهر سبتمبر 1973.. كان كل شيء في مصر كما هو منذ أكثر من 6 سنوات.. مرار مقيم وفرحة غائبة حتى مع دخول الشهر الكريم.. ولكن لم يكن الأمر كذلك بين أفراد جيش مصر العظيم، وبين قياداته التي كانت تعلم أنه قد آن الأوان لينتفض العملاق ويعيد كتابة التاريخ بخطه المعتاد وأن العلم المصري يستعد للتحليق فوق أرض سيناء مخضباً بدماء شهداء لم يبخلوا بدمائهم وأنفسهم فداء لوطنهم وكرامته وكبرياءه.

بات المصريون ليلة السبت العاشر من رمضان وقد تناولوا سحورهم كالمعتاد، هل كانوا يعلمون أن شمس الغد ليست ككل الأيام؟ هل كانوا يعلمون أنهم بعد تناولهم إفطارهم في اليوم العاشر من رمضان وقد تتابعت ست بيانات أصدرتها القيادة العامة للقوات المسلحة منذ عصر اليوم أن البيان السابع سوف ينتزع مرارة الأيام ويعيد لرمضان في مصر؛ بل كل أيام مصر وأمتها العربية والإسلامية تلك الروح والحلاوة المفقودة؟

قضى المصريون أمتع ليالي رمضان في هذه الليلة ليلة الحادي عشر من الشهر الفضيل بعد أن رقصت قلوبهم فرحاً وتخضبت لحاهم من دموع فرحة غائبة وارتفعت الهامات لتعانق البدر الذي كان يسعى وقتها للاكتمال واكتمل ورقاب المصريين ترافقه في جو السماء، وعلى آذانهم الراديو الترانسزيستور لمتابعة أخبار أبطالهم الذين أدهشوا العالم بعبور كان يراه الجميع مستحيلاً ولكنهم نسوا أن مصر وأبناءها منذ فجر التاريخ كتبوا أول كلمة في كتاب التاريخ ذاكرة الإنسانية أنه لا مستحيل أمام المصريين إذا شمروا سواعد الجد.. وقد كان.

ها نحن اليوم نستعيد ذكرى ليلة من أعز ليالي الوطن ويوماً هو الأبهى في تاريخ مصر الحديث ذلك اليوم الذي استعادت فيه مصر كبرياءها، واستعاد المصريون حلاوة وروح رمضان في المحروسة.