عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس التحرير
مواهب عبدالرحمن

متلازمة السياسة والدين وانحراف المواجهة


لا شك أن القضية التي تشغل الحيز الأكبر من المشهد العربي والإسلامي في وقتنا الراهن هي «تجديد الخطاب الديني» وهو ما نتفق ونختلف عليه بشكل موسع الآن خاصة في ظل الدمار الذي تشهده المنطقة مستندا إلى بعض الموروث المفسر بشكل خاطئ أو المغلوط أو ما لم يعد مناسبا لوقتنا الراهن. 
لقد بات الجميع يظن أن السبب الرئيسي وراء الأزمة هو ماجاء بكتب التراث والتفسيرات المغلوطة، واضعين آمالاهم على إصلاح الخطاب الديني باعتباره سينهي كافة مظاهر الإرهاب في العالم.

قد يتطلب الأمر القليل من الإصغاء وإعمال العقل ولو عدنا بالذاكرة للماضي سنجد أن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين الذي أُنشىء عام 1928، اتضح في النهاية أن مبتغاه السياسة وليس الدين، كذلك الأمر فيما يتعلق بنشأة كل من حركة طالبان وتنظيم القاعدة وتنظيم داعش وخاصة ما بعد 2003 وهي الفترة التي تعد أحد الإرهاصات الراسخة لما يحدث في وقتنا هذا وأؤكد على أن تلك الجماعات التي نشأت وترعرعت في ظل الاحتلال الأمريكي كان الهدف منها سياسيا، وحتى إذا ما وصلنا إلى 2011 سنجد أن الأمر في العراق كان خلافا سياسيا صبغ بصبغة دينية ليتمتع كل فريق بأنصار قد لا يعرفون شيئًا عن الدين سوى أن من واجبهم محاربة الطائفة الأخرى، فلم أسمع يوما عن أن فردا فاق من نومه فشعر بأن حدود الله لا تطبق فوهب نفسه لتطبيقها بل إن السبب الرئيسي وراء تحرك أي جماعة أو تنظيم هو موقف سياسي.

المشهد الآخر وهو ما حدث في رابعة العدوية فلن يستطيع أحد أن ينكر أن الأمر كان نصرة للسياسة التي يريدها الإخوان لا للدين كما يزعمون على الرغم من حقهم في ممارسة السياسة لكن ليس بهذا الشكل، الأمر ذاته في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا، إلا أنه وبقصد حُول إلى صراع ديني كي يكتسب مشروعيته.

الأزمة ليست في من قصد تحويله إلى هذا المنحى بل الأزمة في تعاطينا نحن وانسياقنا وراء الأمر واللهث وراء قضية تجديد الخطاب الدين وكأنا أدوات تسير عن علم أو دون علم فيما يراد لها، علما أن تكريث وقتنا وفكرننا في جانب الخطاب الديني يعد أمرا هامشيا لأن أساس الصراع هو الخلاف السياسي الذي قادنا إلى تلك النقطة وهو ما قد يخدم مصالح متعددة حيث تأتي الجماعات في المقام الأول وربما ترسخها بعض الأنظمة للاستفادة منها أيضا، إلا أنني أرى أنه من الواجب على الساسة والمفكرين والأدباء ألا ينجروا وراء أزمة الخطاب الديني ويتناسوا الجوانب الأخرى والأساسية منها وهي الإصلاح السياسي والمجتمعي الذي إذا صح سهل الأمر كثيرا على الاستجابة للخطاب الديني المعتدل، أما إذا ما استمرت الأوضاع السياسية والاجتماعية بمعزل عن التجديد والتصحيح فأنها ستخل جيل فاقد الثقة في أي شئ سياسي أو ديني ويكون وقود الإرهاب الحقيقي الذي لايمكن تحمله أو السيطرة عليه، لذا أقول أن تجديد الخطاب والسياسي ةتعديل آلياته وتحقيق العدالة يجب ان يكون قبل المطالبة بتجديد الخطاب الديني وإلا يعد الأمر انحرافا عن جوهر المواجهة الحقيقية.